Menu

الموجة قد تتصاعد..

تقريرغلاء المعيشة.. نِتَاج عبثي لفشل حكومي وتَنَفُذ تجاري 

فادي نعيم بارود

بوابة الهدف الإخبارية

وسط إعلاناتٍ متزايدة من قِبَل شركات ومورّدين حول زيادة أسعار عددٍ من السلع الرئيسة في الأسواق الفلسطينيّة، تتعالى الأصوات الشعبية رفضاً لإجراءات التجّار المساهمة في غلاء المعيشة مخلفةً حالة من الغضب والإضراب في الشارع شملت مناطق متفرقة من الضفة الغربية المحتلة، الأمر الذي استدعى حكومة اشتية للإعلان عن تشكيل لجنة لدراسة ومتابعة القضية في السوق المحلي والعالمي، كمحاولةٍ بائسةٍ للتخفيف من ردود الأفعال التي أظهرت قلة حيلتها في إحداث تغيّرٍ ملموس في الملف – الاقتصادي – والذي حملته كأجندةٍ رئيسية حينما صادق الرئيس عباس على تشكيلها..

وخلال المظاهرات التي انطلقت في الخليل ورام الله ونابلس وغيرها من المدن، أكدت أصوات الجماهير التي خرجت في الميادين والساحات بعد دعوات شبابية ونقابية شعبية للاعتراض على الأزمة، وجود الانتفاع المتبادل من قبل الشركات الاستثمارية الكبرى والحكومة من موجة الغلاء التي عادت وظهرت على سطحٍ مليء بالأزمات، معلنين استعدادهم وتجهيزاتهم لمقاطعة الشركات التي تستخدم قوّة الحكومة ضد لقمة عيشهم بادعاءاتٍ وطنية، وذلك خلال الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني).

وتشير تقديرات بشأن الوضع الاقتصادي المتهالك والاستحقاقات المالية غير المرضية، والتنفذ غير الشرعي على مصادر الانتاج والمال في كافة المرافق، أنه وخلال الأيام المقبلة ومع اقتراب حلول شهر رمضان، ستزداد المشكلة في التفاقم إلى جانب ضعف السلطة والحكومة، بما يزيد من احتمالية تصاعد التوترات بين القطاعات الاقتصادية وعلى كافة الصعد.

ضبط الفساد والتجّار، وإعادة ترتيب وإحياء أنظمة البنية الوظيفية، واحياء درجة من الشفافية في التعامل مع السوق، وغيرها من الحلول الجذرية بدلاً من الحلول غير المجدية، نوقشت من خلال كتاب ومحللين اقتصاديين للاطلاع على مسار المواجهة لموجة رفع الأسعار وغلاء المعيشة في أحاديث خاصة لبوابة الهدف الإخبارية.

وقال الخبير والمحلل الاقتصادي في مركز بيسان للبحوث جبريل جحشان، إن "المعلوم أن حكومتنا ريعية ومتعايشة على المساعدات الأجنبية التي تتناقص سنويا، وأنها لا تحمل مشروعًا انتاجيًا وطنيًا بل ترى في ابتذال الريع والحصول عليه طريقتها، فهي حكومة بفعل ما خلقت لأجله لا دور وطني لها على الصعيد الاقتصادي، بل هي حكومة في خدمة رأس مال خدماتي يعتاش أيضًا على الريع، وبالتالي فهي لا تضع خيارات بين سهل وصعب، بل ليس أمامها سوى ما اختارته منذ البداية أي ما فرضه عليها بروتوكول باريس الاقتصادي".

وأضاف جحشان، في حديثه لبوابة الهدف الإخبارية: "أزمة الحكومة ليست مالية فحسب بل هي أزمة ذات طابع متعلّق بالاقتصاد السياسي لسلطة تقبل بشروط الاحتلال من جهة وتذعن لمتطلبات المؤسسات التمويلية الدولية ووكلائها المحليين من كمبرادور تجاري ومصرفي ورأسمال عقاري وكل هذه القطاعات المحلية مستفيدة من إعفاءات ضريبية هي بغنى عنها، ومعظمها يمارس التهرّب الضريبي بكافة الأشكال، حيث لو تم معالجة التهرّب الضريبي بنسبة 90% سيكون هناك فائض في موازنة السلطة، لكن الحكومة تستسهل الهجوم على قوت الفقراء الذين يشكلون المورد الأكبر للضريبة المباشرة وغير المباشرة".

وبشأن توقيت موجة الغلاء، قال جحشان، "ليس هناك ريبة إلّا في معالجات صغيرة، الموضوع هو أنّ بنية اقتصادنا مرتبطة بالبنية النيوليبرالية العالمية، والريبة الحقيقية تكمن في دهاقنة الرأسمال المعولم الذي يتذرّع بأن الجائحة زادت من كلفة النقل والتخزين وأن هذا يزيد من السعر".

وتابع: "السؤال هنا، لماذا حدث هذا الارتفاع في الأسعار بعد عامين من الجائحة؟، هل كان لدى الدول مخزونها بما يكفي لعامين والآن بات عليها الاستيراد سواء مواد خام أم مصنّعة؟ هنا لابد من التفتيش عن تكاليف الحروب التي تشن في ظل الجائحة أو الاعداد لحروب جديدة محتملة بعدما توجّه مركز الرأسمال العالمي نحو مواجهة الصين ومماحكة روسيا".

وأردف قائلاً: إنّ حكومتنا ليست سوى مُستقبِل لما يجري في السوق العالمي وسوق دولة الاحتلال، وهذا لا يعفيها أبدًا من المسؤولية عن تخفيف الآثار على الطبقات الشعبيّة، لكنها حين ترفض دعم المواد الأساسية فهي شريكة في افقار الشعب، إمّا ما يمكن تكهّنه حول أنّ الحكومة ربما تنفذ أجندة كي يستسلم الناس للأمر الواقع سياسيًا على المستوى الوطني، فإنّ ذلك ربما يكون أمرًا هامشيًا، لأن هناك من يدرك أن شعبنا الفلسطيني عندما يداهم الخطر قضيته الوطنية يقلب الطاولة على رؤوس أصحابها، ولذا فهم يتعاملون بحذر مع هذه المسألة. إنّنا أمام حكومة لا تفعل شيئًا سوى استقبال كل المؤثرات الخارجيّة".

وأشار إلى أنّ "المطلوب كثير، أولاً أن تعلن الأحزاب والقوى التي تدافع عن الطبقات الشعبيّة عن رفضها العملي لهذه السياسة، وأن تقدّم برنامجًا نضاليًا يستقطب الجمهور لأجل الضغط على الحكومة، وثانيًا أن يُؤسّس لحراكٍ شعبي متماسك ليس فقط ضد غلاء الأسعار وإنما ضد السياسات الاقتصادية المنفلتة من أي ضوابطٍ وطنيةٍ وتحرّرية، وثالثًا أن تبادر الحركات الاجتماعيّة والنقابيّة ومؤسّسات المجتمع المدني إلى تقديم نماذج بديلة كالجمعيات التعاونّية الاستهلاكية والإنتاجيّة".

وشدّد على ضرورة الضغط من أجل دفع المتهربين ضريبيًا من كبريات الشركات والمصارف إلى الالتزام بواجبهم الضريبي، ومراجعة مواد الإعفاءات الضريبية في قانون تشجيع الاستثمار، بما يؤمّن واردات أكثر للخزينة، والضغط من أجل تقليص نفقات الجهاز الإداري للحكومة وخاصة امتيازات كبار الموظفين، ودعم السلع الأساسيّة.

وطالب باعتماد "خطة تنموية وطنية تنحي جانبًا إطلاق يد السوق من خلال سياسة إحلال الواردات وتوسيع رقعة الأرض المزروعة إضافة إلى زيادة الإنتاج الحيواني والثروة السمكية، بمعنى بناء اقتصاد صمود يقلل من الاستهلاك والاستيراد ويزيد من الإنتاج ويسهم في توسيع فرص العمل المحتملة".

وارتفعت أسعار الوقود والمشروبات المحلاة بأنواعها، وأسعار الحبوب ومشتقات الألبان، فيما يرتقب أن تعلن الحكومة عن زيادة أسعار الكهرباء خلال وقتٍ لاحق من فبراير/ شباط الجاري.

من جهته، قال الكتاب والمحلل السياسي والاقتصادي عادل سمارة، إنّ "طريقة أي حكومة رأسماليّة في علاج الأزمة المالية الذهاب للخيار الأسهل وهو الضغط على الناس، بغض النظر عمّا إذا كانت مستقلة أو حكم ذاتي، لأن الطبقة المالكة والحاكمة تستغل الطبقات الأخرى، وعلى الرغم من أنّ الوطن محتل إلا أنّ القضية لها بعدًا ثقافيًا ولا يدعو للمفاجأة".

وأضاف "في الحقيقة بعد الأزمة الاقتصادية عامي 2007-2008 حدث تراجعًا في معدلات الانتاج على مستوى عالمي، وارتفعت كلفة النقل والاستيراد والتصدير وغيرها من النشاطات، ولعبت دورًا كبيرًا في ارتفاع الاسعار، وهذا لعب دورًا كبيرًا في ارتفاع الأسعار عالميًا، وهنا يمكننا تقسيم الدول إلى قسمين منتجة وغير منتجة"، مُبينًا أنّ "الدول المنتجة رغم تراجع معدلات الانتاج فيها يبقى هناك فرصة وقدرة على وجود فائض معيّن يغطي العجز في أي قطاع ما، أمّا الدول غير المنتجة تكون الاشكالية عندها أعلى تعتمد على الاستيراد وتتأثّر بالمتغيرات المحيطة بشكلٍ أسرع ما يؤدي إلى تراجعها، بمعنى طالما أنت تشتري كل شيء فأنت تدفع ثمن الاشكالية الدولية بشكلٍ عام وهذا ما يحدث في فلسطين كدولةٍ ضعيفة في الانتاج".

وختم سمارة حديثه مع "الهدف" قائلاً: "ليس من السهل إيجاد حل لأزمة من هذه النوع خصوصًا وأنّ جزء كبير منها مفتعل من قبل التجّار المستظلين بظل الحكومة، إضافة إلى الكثير من المشاكل في الموازنة العامة، وأزمة المديونيّة، وأزمة المقاصة، وغيرها من الخروقات التي تمنع النهوض في القطاع الاقتصادي".